أخبار مهمةالخطبة المسموعةخطبة الأسبوعخطبة الجمعةخطبة الجمعة القادمة ، خطبة الجمعة القادمة لوزارة الأوقاف المصرية مكتوبة word pdfعاجل

خطبة الجمعة القادمة 12 يوليو : حق العمل وقتًا وأداءً ومخاطر الإخلال به ، للدكتور محروس حفظي

خطبة الجمعة القادمة

خطبة الجمعة القادمة 12 يوليو 2024 م بعنوان : حق العمل وقتًا وأداءً ومخاطر الإخلال به ، للدكتور محروس حفظي ، بتاريخ 6 محرم 1446هـ ، الموافق 12 يوليو 2024م. 

 

لتحميل خطبة الجمعة القادمة 12 يوليو 2024 م ، للدكتور محروس حفظي بعنوان : حق العمل وقتًا وأداءً ومخاطر الإخلال به.

 

ولتحميل خطبة الجمعة القادمة 12 يوليو 2024 م ، للدكتور محروس حفظي بعنوان : حق العمل وقتًا وأداءً ومخاطر الإخلال به ، بصيغة word أضغط هنا.

 

لتحميل خطبة الجمعة القادمة 12 يوليو 2024 م ، للدكتور محروس حفظي بعنوان : حق العمل وقتًا وأداءً ومخاطر الإخلال به ، بصيغة  pdf أضغط هنا.

 

___________________________________________________________

للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة

 

للمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف

 

و للمزيد عن مسابقات الأوقاف

 

للمزيد عن أخبار الأوقاف

 

و للمزيد عن الدروس الدينية

 

عناصر خطبة الجمعة القادمة 12 يوليو 2024 م بعنوان : حق العمل وقتًا وأداءً ومخاطر الإخلال به ، للدكتور محروس حفظي :

 

(1) إتقانُ العملِ مقصدٌ شرعيٌّ حريٌّ بَنا تطبيقهُ في كافةِ المجالاتِ.

(2) وسائلُ تُعينُ على إتقانِ العملِ.

(3) تحريمُ الإخلالِ بالعملِ وعقوبتُهُ في الشرعِ الحنيفِ.

 

ولقراءة خطبة الجمعة القادمة 12 يوليو 2024 م بعنوان : حق العمل وقتًا وأداءً ومخاطر الإخلال به ، للدكتور محروس حفظي : كما يلي: 

 «حقُّ العملِ وقتًا وأداءً ومخاطرُ الإخلالِ بهِ»

بتاريخ 6 المحرم 1445 هـ = الموافق 12 يوليو 2024 م

 

الحمدُ للهِ حمدًا يُوافِي نعمَهُ، ويُكافىءُ مزيدَهُ، لك الحمدُ كما ينبغِي لجلالِ وجهِكَ، ولعظيمِ سلطانِكَ، والصلاةُ والسلامُ الأتمانِ الأكملانِ على سيدِنَا مُحمدٍ ، أمّا بعدُ ،،،

العنصر الأول من خطبة الجمعة القادمة 12 يوليو 2024 م بعنوان : حق العمل وقتًا وأداءً ومخاطر الإخلال به

(1) إتقانُ العملِ مقصدٌ شرعِيٌّ حريٌّ بنَا تطبيقهُ في كافةَ المجالاتِ:

إنَّ الإتقانَ صفةٌ مِن صفاتِ ربِّنَا – عزَّ وجلَّ- فهو الذي أتقنَ كلَّ شيءٍ خلقَهُ وأحسنَهُ ﴿صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ﴾، ومَن يتأملُ مخلوقاتِهِ يعرفُ أنَّهُ سبحانَهُ ﴿أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى﴾، مِن هنَا ندركُ أنَّ إتقانَ العملِ والوصولَ بهِ إلى أعلَى درجاتِ الجودةِ، وأرقَى متطلباتِ الإنتاجِ، وأفضلَ حالاتِ الشفافيةِ بما يسمحُ للمنتجِ بالوفاءِ بحاجةِ البشرِ ويمكنهُ مِن غزوِ الأسواقِ لهو مقصدٌ شرعيٌّ حثّنَا عليهِ دينُنَا، وأمرَ بهِ نبيُّنَا قال : «إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ إِذَا عَمِلَ أَحَدُكُمْ عَمَلًا أَنْ يُتْقِنَهُ» (شعب الإيمان)، وعَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ قَالَ: ثِنْتَانِ حَفِظْتُهُمَا عَنْ رَسُولِ اللهِ قَالَ: «إِنَّ اللهَ كَتَبَ الْإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ، وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذَّبْحَ، وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ، فَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ» (مسلم)، ولكي يُنَمَّى خُلقُ المراقبةِ لدى العبدِ أخبرَ ربُّنَا أنَّ أعمالَنَا ستعرضُ عليهِ ليحاسبَنَا عليهَا فقالَ سبحانَهُ:﴿وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾، وهذا مِن شأنهِ أنْ يُحيي الضميرَ، ويزيدَ إحساسنَا بالمسئوليةِ، فعلينَا أنْ نُراقبَ اللهَ في أعمالِنَا، ولنعلمْ أنّ أفعالَنَا مسجلةٌ ومُحصاةٌ، وأفضلُهَا هي التي تكونُ على عينِ صاحبِهَا في كافةِ مراحلِ الإنتاجِ؛ لأنّهُ عندمَا تغيبُ الرقابةُ يحدثُ الخللُ والفسادُ، وقد ضربَ لنَا مثلًا عمليًّا في تدريبِ النشئِ الجديدِ على إتقانِ العملِ، فعَنْ أَبِي سَعِيدٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ مَرَّ بِغُلَامٍ يَسْلُخُ شَاةً، فَقَالَ لَهُ:«تَنَحَّ حَتَّى أُرِيَكَ، فَإِنِّي لَا أَرَاكَ تُحْسِنُ تَسْلُخُ، قَالَ: فَأَدْخَلَ رَسُولُ اللَّهِ يَدَهُ بَيْنَ الْجِلْدِ وَاللَّحْمِ، فَدَحَسَ بِهَا حَتَّى تَوَارَتْ إِلَى الْإِبْطِ، ثُمَّ قَالَ : هَكَذَا يَا غُلَامُ فَاسْلُخْ، ثُمَّ انْطَلَقَ فَصَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ، وَلَمْ يَمَسَّ ماء» (ابن حبان)، لم يستكبرْ أنْ يساعدَ الغلامَ في عملهِ، ويذللَ لهُ الصعابَ، ويعلمَهُ ما خفيَ مِن إتقانِ السلخِ!! إنّها مهمةُ المعلمِ، وإحساسُ المربِي بمسئوليةِ الإرشادِ الدائمِ والتقويمِ المستمر في كلّ وقتٍ، فيا حبذَا لو أتقنَ الإنسانُ عملًا تميزَ بهِ، وشاعَ عنه أنَّه رائدهُ، وأنّه علامةٌ مسجلةٌ فيهِ، بدلَ، ممارستهِ أعمالًا عدةً قد تصنفهُ في عِدادِ الفاشلين، وتضعهُ في نطاقِ المقصرين، وانفرادُ بعض العلماءِ بتخصصٍ معينٍ أكبرُ شاهدٍ على ذلك، وصدقَ القائلُ:

 بِقَدْرِ الْكَدِّ تُكْتَسَبُ المعَالِي *** ومَنْ طلب العُلا سَهرَ اللَّيالِي

ومن طلب العُلا من غير كَدٍّ *** أَضَاع العُمْرَ في طلب الْمُحَالِ

والمستقرىءُ  للقرآنِ يجدُ أنَّ اللهَ ضربَ نماذجَ فريدةً في إتقانِ العملِ كإتقانِ ذي القرنين بناءَ السدِّ حيثُ استخدمَ أعلَى مواصفاتِ التقنيةِ في الإحكامِ قال ربُّنَا:﴿قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ﴾ فكانت النتيجة الحتمية ﴿فَمَا اسْطاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطاعُوا لَهُ نَقْباً﴾، وتأملْ قمةَ التقدمِ والإتقانِ الذي شيدَ بهِ سليمانُ قصرَ بلقيس ﴿قيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَنْ سَاقَيْهَا قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوَارِيرَ﴾ فلمَّا عاينتْ علمتْ أنَّ هذا نبيٌّ رجعتْ إلى رشدِهَا ﴿رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ﴾ .

وتأملْ الإتقانَ العسكري- الذي هو ضرورةٌ شرعيةٌ ومقصدٌ ربانيٌّ لا ينبغِي إغفالُهُ- في قصةِ طالوت ﴿وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ﴾ فهذا مجالُ تفوقهِ، وذاك سببُ قيادتهِ، وقد جاءَ الأمرُ الإلهيُّ بضرورةِ الإعدادِ للعدوِّ فقالَ ربُّنَا: ﴿وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِباطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ﴾، وهل يظننَّ ظانٌّ أنًّ هذا الإعدادَ يتمُّ دونَ الإتقانِ والإحكامِ، ولذا نكّرَ ربُّنَا لفظَ القوةِ في﴿مِنْ قُوَّةٍ﴾ لتشملَ جميعَ أنواعِ القوةِ البدنيةِ والاقتصاديةِ والمدفعيةِ والحربية… إلخ فتنبَّهْ وأفهم.

كمَا أنَّ الإتقانَ لم يقتصرْ على جانبِ الأعمالِ الدنيويةِ فحسب، بل شملَ العباداتِ كالصلاةِ والصيامِ والزكاةِ والحجِّ … الخ، فالإنسانُ المتقنُ في أخلاقِهِ هو الذي يتخلقُ بالأخلاقِ العاليةِ، ويترفعُ عن الأعمالِ الدنيئةِ، وها هو نبيُّنَا يعلمُنَا الإتقانَ في الصلاةِ فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللهِ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَدَخَلَ رَجُلٌ فَصَلَّى، ثُمَّ جَاءَ فَسَلَّمَ عَلَى رَسُولِ اللهِ، فَرَدَّ رَسُولُ اللهِ السَّلَامَ قَالَ: ارْجِعْ فَصَلِّ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ، فَرَجَعَ الرَّجُلُ فَصَلَّى كَمَا كَانَ صَلَّى، ثُمَّ جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ: وَعَلَيْكَ السَّلَامُ ثُمَّ قَالَ: ارْجِعْ فَصَلِّ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ حَتَّى فَعَلَ ذَلِكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، فَقَالَ الرَّجُلُ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا أُحْسِنُ غَيْرَ هَذَا عَلِّمْنِي، قَالَ: إِذَا قُمْتَ إِلَى الصَّلَاةِ فَكَبِّرْ، ثُمَّ اقْرَأْ مَا تَيَسَّرَ مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ، ثُمَّ ارْكَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ رَاكِعًا، ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَعْدِلَ قَائِمًا، ثُمَّ اسْجُدْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِدًا، ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ جَالِسًا، ثُمَّ افْعَلْ ذَلِكَ فِي صَلَاتِكَ كُلِّهَا» (مسلم) .

العنصر الثاني من خطبة الجمعة القادمة 12 يوليو 2024 م بعنوان : حق العمل وقتًا وأداءً ومخاطر الإخلال به

(2) وسائلُ تُعينُ على إتقانِ العملِ:

إنَّ الإنسانَ متى عرفَ الوسيلةَ التي تعينُهُ على عملهِ، وفَقِهَ النتيجةَ مِن غرسهِ، سهلَ عليهِ فعلُ العبادةِ، وهانَ ما يلاقيهِ في سبيلِهَا مِن صعوبةٍ وعناءٍ ومشقةٍ، وفيمَا يلي إشارةٌ إلى بعضِ الوسائلِ التي تُعينُ العبدَ على إتقانِ عملهِ:

أولًا: التشجيعُ المستمرُّ مع وضعِ الحافزِ المعينِ على التحسينِ: بيَّنَ ربُّنَا في كتابهِ العزيزِ نتيجةَ مَن يتقنُ عملَهُ فقالَ: ﴿وَأَحْسِنُوَاْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾، وشجعَ رسولُنَا ﷺ المسلمَ على إتقانهِ العبادة، ووضعِ حوافزَ لذلك قَالَ رَسُولُ اللهِ : «الْمَاهِرُ بِالْقُرْآنِ مَعَ السَّفَرَةِ الْكِرَامِ الْبَرَرَةِ، وَالَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَيَتَتَعْتَعُ فِيهِ، وَهُوَ عَلَيْهِ شَاقٌّ، لَهُ أَجْرَانِ» (متفق عليه)، وبشرَ مَن يحسنُ وضوءَهُ وصلاتَهُ فقالَ ﷺ: «لَا يَتَوَضَّأُ رَجُلٌ يُحْسِنُ وُضُوءَهُ، وَيُصَلِّي الصَّلَاةَ، إِلَّا غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الصَّلَاةِ حَتَّى يُصَلِّيَهَا»(متفق عليه) .

ثانيًا: ضرورةُ الفهمِ والفقهِ بأنَّ التعلمَ عمليةٌ مستمرةٌ لا تنقطع: لما كانت العبادةُ لا تنقطعُ عن المسلمِ طالما يعيشُ على ظهرِ هذه الأرض كما قالَ ربُّنَا مخاطبًا نبيَّهُ: ﴿وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ﴾، وقال أيضًا على لسانِ عيسى عليه السلامُ: ﴿وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا﴾، فكذا التعلمُ واكتسابُ الخبراتِ والمهاراتِ لا يقفُ عندَ حدٍّ معينٍ وإنّمَا تحتاجُ إلى صبرٍ ومحاولةٍ قال ابْنُ مَسْعُودٍ: فَعَلَيْكُمْ بِهَذَا الْقُرْآنِ ; فَإِنَّهُ مَأْدُبَةُ اللَّهِ فَمَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ مَأْدُبَةِ اللَّهِ فَلْيَفْعَلْ، فَإِنَّمَا الْعِلْمُ بِالتَّعَلُّمِ» (البزار، وَرِجَالُهُ مُوَثَّقُونَ).

لقد بيِّن ربُّنَا في كتابهِ أنَّ سنتَهُ الكونيةَ اقتضتْ أنْ خلقَ البشرَ مِن أجلِ الكدحِ والكفاحِ وإلّا لما كان للحياة طعمٌ أو مذاقٌ ﴿لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي كَبَدٍ﴾، ومَن فهمَ هذا القانونَ الربانيَّ هانَ كلُّ شيءٍ في طريقهِ، وعافرَ وواصلَ الليلَ بالنهارِ، وحاولَ مرةً بعدَ أُخرى بغيةَ الوصولِ إلى مرماه، وتتعجبُ مِن حالِ الإنسانِ الذي هو الوحيدُ مِن بينِ الكائناتِ الحيةِ الذي يرفضُ قانونَ «الجهدِ المهدورِ» ذاك قانونُ رجالِ الأعمالِ، والقادةِ العظامِ، والعباقرةِ الجسامِ، فتجد الأسودَ مثلًا لا تنجحُ في الصيدِ إلّا في ربعِ محاولاتِهَا أي تفشلُ في 75% مِن صيدِهَا ومع ذلك لا تيأس مِن محاولاتِ المطاردةِ والمتابعةِ، ونصفُ مواليدِ الدببةِ تموتُ قبلَ البلوغِ، ونصفُ بيوضِ الأسماكِ يتمُّ التهامهَا ومع ذلك ما زالَ هذا القانونُ الإلهِي مستمرًا لا ينقطعُ عن الطبيعةِ، لكنَّ الإنسانَ إذا أخفقَ في مشروعٍ أو فشلَ في عملٍ لا يريدُ أنْ ينهضَ مرةً أُخرى، بل يستسلمُ ويتكاسلُ، ويريدُ الحصولَ على مبتغاهُ بسهولةٍ، فيسلكَ سبلَ الحرامِ، وما يُؤتَى دونَ عَرَقٍ أو تعبٍ يذهبُ سُدَى، وقد يحتاجُ الإتقانُ إلى وقتٍ طويلٍ بحسبِ طبيعةِ العملِ، فقد مكثَ ابنُ حجرٍ في تأليفِ “فتحِ الباري” خمسةً وعشرينَ عامًا، وابنُ عبدِ البرِّ مكثَ في تأليفِ “التمهيدِ” ثلاثينَ عامًا، والإمامُ البخاريُّ أتقنَ ترتيبَ كتابهِ “الصحيح” على الأبوابِ الفقهيةِ أيّما إتقان، وكان لا يضعُ حديثًا حتى يُصلّي ركعتين .

ثالثًا: تمثلُ القدوةِ الحسنةِ فتكونَ مثالًا يُحتذَى بهِ في العملِ: مِن أهمِّ القيمِ التي كان رسولُ اللهِ ﷺ يسعَى إلى غرسِهَا في نفوسِ صحابتهِ هو إتقانُ العملِ وتحسينُهُ سواءٌ كان عملًا دينيًّا أو دنيويًّا وذلك بالجمعِ بينَ العلمِ والعملِ معًا فعَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ: حَدَّثَنَا مَنْ كَانَ يُقْرِئُنَا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ أَنَّهُمْ كَانُوا «يَقْتَرِئُونَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ عَشْرَ آيَاتٍ، فَلَا يَأْخُذُونَ فِي الْعَشْرِ الْأُخْرَى حَتَّى يَعْلَمُوا مَا فِي هَذِهِ مِنَ الْعِلْمِ وَالْعَمَلِ، قَالُوا: فَعَلِمْنَا الْعِلْمَ وَالْعَمَلَ» (أحمد) .

وهذا نبيُّ اللهِ داودُ عليهِ السلامُ الذي امتنَّ عليهِ بتعليمِهِ مبادئَ الصناعةِ ‏العسكريةِ، فكانَ يستخدمُ الحديدَ في مباشرةِ صناعةِ الدروعِ والسيوفِ وآلالاتِ الحربِ المختلفةِ التي تقِي المُحاربَ الأخطارَ، فكانَ لهُ قدمُ السبقِ في ذلك، وكان أولُ مَن سردَهَا وحلَّقَهَا كما قالَ ربُّنَا: ﴿وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ * أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾، وقال أيضًا:﴿‏وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ * يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا﴾، وكانَ إذا أتمَّ صنعَ درعٍ باعَهَا، فتصدَّقَ بثلثِهَا، واشترَى بثلثِهَا ما يكفيهِ وعيالهُ، وأمسكَ الثلثَ يتصدقُ بهِ يومًا بيومٍ إلى أنْ يعملَ غيرَهَا، فهو عليهِ السلامُ يقتاتُ مِن تلك الصناعةِ مع أنَّ اللهَ جمعَ لهُ بينَ المُلكِ والنبوةِ، فعن أبي هريرةَ، عن رسولِ اللهِ : «أنَّ داودَ النبيَّ عليهِ السلامُ كان لا يأكلُ إلّا مِن عملِ يدِهِ» (البخاري)، قال ابنُ حجرٍ: «وَالْحِكْمَةُ فِي تَخْصِيصِ دَاوُدَ بِالذِّكْرِ أَنَّ اقْتِصَارَهُ فِي أَكْلِهِ عَلَى مَا يَعْمَلُهُ بِيَدِهِ لَمْ يَكُنْ مِنَ الْحَاجَةِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ، وَإِنَّمَا ابْتَغَى الْأَكْلَ مِنْ طَرِيقِ الْأَفْضَلِ؛ وَلِهَذَا أَوْرَدَ قِصَّتَهُ فِي مَقَامِ الِاحْتِجَاجِ بِهَا عَلَى مَا قَدَّمَهُ مِنْ أَنَّ خَيْرَ الْكَسْبِ عَمَلُ الْيَدِ، وَهَذَا بَعْدَ تَقْرِيرِ أَنَّ شَرْعَ مَنْ قَبْلَنَا شَرْعٌ لَنَا وَلَا سِيَّمَا إِذَا وَرَدَ فِي شَرْعِنَا مَدْحُهُ وَتَحْسِينُهُ» ا.هـ (فتح الباري 4/ 306) .

لينظرْ كلُّ واحدٍ منَّا ماذا قدّمَ لوطنِه، وأعزُّ ما يقدمُهُ لهُ أنْ يكونَ أميناً جاداً في عملِهِ، يسعَى لتحقيقِ نهضتِهِ وازدهارِهِ ولن يتحققَ ذلكَ إلّا برجالٍ مخلصين، فعلينَا جميعاً مواصلةَ الليلِ والنهارِ، وأ نتحملَ المسؤليةَ كلٌّ في تخصصِهِ مِن أجلِ أنْ نرتقيَ ببلدِنَا؛ لتكونَ أفضلَ البلادِ، فالشعاراتُ الرنانةُ، والعباراتُ الفضفاضةُ الجوفاءُ لن تُبنَى بهَا الأممُ، وتَرقَى بهَا الشعوبُ، لكن بالعملِ والإتقانِ، وبذلِ الغالِي والنفيسِ تظلُّ رايتُهُ عاليةً خفاقةً، وقد بشّرَ نبيُّنَا مَن يجهدُ نفسَهُ تجاهَ رفعةِ بلدهِ لهُ أجرٌ عظيمٌ فعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ يَقُولُ: «عَيْنَانِ لَا تَمَسُّهُمَا النَّارُ: عَيْنٌ بَكَتْ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ، وَعَيْنٌ بَاتَتْ تَحْرُسُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ» (الترمذي) .

إنَّ إتقانَ العملِ وإنْ كان يُتعبُ صاحبَهُ في دارِ الفناءِ لكنّهُ ييسرُ على صاحبِهِ  الحسابَ في دارِ البقاءِ، فإنَّهُ سيسألُ عن مالِهِ «مِن أينَ اكتسبَهُ، وفيمَ أنفقَهُ؟»، فتكونُ لديهِ الحجةُ، ويدخلُهُ اللهُ – عزَّ وجلَّ- الجنةَ فعَنْ جَابِرٍ قَالَ: أَتَى النَّبِيَّ النُّعْمَانُ بْنُ قَوْقَلٍ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ أَرَأَيْتَ إِذَا صَلَّيْتُ الْمَكْتُوبَةَ، وَحَرَّمْتُ الْحَرَامَ، وَأَحْلَلْتُ الْحَلَالَ، أَأَدْخُلُ الْجَنَّةَ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ : «نَعَمْ» (مسلم) .

العنصر الثالث من خطبة الجمعة القادمة 12 يوليو 2024 م بعنوان : حق العمل وقتًا وأداءً ومخاطر الإخلال به

(3) تحريمُ الإخلالِ بالعملِ وعقوبتُهُ في الشرعِ الحنيفِ:

إنَّ إهمالَ الموظفِ أو العاملِ في عملِهِ أو صنعتِهِ والتقصيرَ فيهِ يُعدُّ خيانةً للأمانةِ؛ لأنّهُ مؤتمنٌ على العملِ الذي وُكِّلَ إليهِ، وكُلِّفَ بهِ حيث لم يؤدِّهِ على الوجهِ المطلوبِ مع تقاضيهِ أجرًا عليهِ، قالَ تعالَى: ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَماناتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾، وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ قَالَ: “آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلَاثٌ: إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ” (متفق عليه) .

لا شكَّ أنَّ تركَ الإتقانِ في العملِ يوهنُ قوةَ الوطنِ في مواجهةِ الأعداءِ، وينحدرُ بمستواه الإجتماعِي والفكرِي والاقتصادِي، وهذا الإخلالُ ناتجٌ عن ضعفِ الإيمانِ باللهِ تعالَى وعدمِ مراقبتِهِ؛ إذْ الإتقانُ ثمرةٌ مِن ثمراتِ المراقبةِ للهِ، وأنَّ ما نقومُ بهِ مِن عملٍ، فإنَّ اللهَ مطلعٌ عليهِ إنْ خيرًا فخير، وإنْ شرًّا فشر، فالمسلمُ الحقُّ هو الذي لا يراقبُ مديرَهُ ولا رئيسَهُ في العملِ، بل يراقبُ اللهَ، وتلك هي المراقبةُ الذاتيةُ: ﴿وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَلَا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ﴾ .

نسألُ اللهَ أنْ يفرجَ كروبَنَا، وأنْ يزيلَ همومَنَا، وأنْ يُذهبَ أحزانَنَا، ونسألُكَ يا اللهُ أنْ تجعلَ بلدَنَا مِصْرَ سخاءً رخاءً، أمناً أماناً، سلماً سلاماً وسائرَ بلادِ العالمين، وأنْ توفقَ ولاةَ أُمورِنَا لِمَا فيهِ نفعُ البلادِ والعبادِ.                                  

كتبه: الفقير إلى عفو ربه الحنان المنان

 د / محروس رمضان حفظي عبد العال       

 مدرس التفسير وعلوم القرآن – كلية أصول الدين والدعوة – أسيوط

_____________________________________

للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة

 

وللإطلاع علي قسم خطبة الجمعة

 

تابعنا علي الفيس بوك

 

الخطبة المسموعة علي اليوتيوب

 

للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة باللغات

 

وللإطلاع ومتابعة قسم خطبة الأسبوع و خطبة الجمعة القادمة

 

للمزيد عن أخبار الأوقاف

 

وللمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف

 

للمزيد عن مسابقات الأوقاف

اظهر المزيد

كتب: د.أحمد رمضان

الدكتور أحمد رمضان حاصل علي الماجستير من جامعة الأزهر بتقدير ممتاز سنة 2005م ، وحاصل علي الدكتوراه بتقدير مع مرتبة الشرف الأولي من جامعة الأزهر الشريف سنة 2017م. مؤسس جريدة صوت الدعاة ورئيس التحرير وكاتب الأخبار والمقالات المهمة بالجريدة، ويعمل بالجريدة منذ 2013 إلي اليوم. حاصل علي دورة التميز الصحفي، وقام بتدريب عدد من الصحفيين بالجريدة. للتواصل مع رئيس التحرير على الإيميل التالي: [email protected] رئيس التحريـر: د. أحمد رمضان (Editor-in-Chief: Dr. Ahmed Ramadan) للمزيد عن الدكتور أحمد رمضان رئيس التحرير أضغط في القائمة علي رئيس التحرير

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »